الأفعى الإيرانية وموريتانيا
كان الخطأ الأكبر للدول السنية ـ سواء العربية منها أو غير
العربية ـ هو تعاملها الراقي مع دولة المجوس الإيرانية وحسن الظن بها لدرجة الغباء
بينما كانت الأفعى الإيرانية تمر من بينهم بملمسها الناعم متعمدة ألا تؤذي أحداً
غير الذي تستهدفه من الدول السنية والدول العربية فتتنفس تلك الدولة السنية الغبية
أو تلك الصعداء معتقدة بأنها بمأمن من تلك الافعى التي تقصد الإلتفات على غيرها ولاتضمر
لها شراً ،فتبالغ هذه الدولة السنية الغبية أو تلك في التقرب من إيران وتبدي اللطف
وكلمات المجاملات وطرح مجالات التعاون بما يرضي إيران لعلها تكسب ودها أو تتقي
شرها ، ويستمر الحال على ماهو عليه حتى تكتشف تلك الدولة السنية الغبية أن دورها
جاء لتأكل يوم أكل الثور الأبيض . وقد زاد من غرور إيران وصلفها تحالفها على
اقتسام الدول العربية والسنية بينها وبين بوتين الرهيب دكتاتور روسيا إلى جانب
أمور أخرى هيأت المناخ السياسي العالمي الشرقي والغربي لصالحها .
ومن بين تلك الدول
العربية السنية التي ظنت في البداية أنها بمامن من الافعى الشيعية الإيرانية
موريتانيا إلى تبين لها أن تلك الأفعى المجوسية بدأت تطبق عليها ..فكيف تم ذلك؟
تميز تاريخ العلاقات الموريتانية الإيرانية بالتغير والتحول منذ بدايته التي كانت
في ثمانينيات القرن الماضي من خلال محاولة الأفعى الخمينية التمدد في العالم بعد
انتصار الخميني على الشاه .
وجد الإيرانيون في النظام العسكري الموريتاني متنفسا لنشر
الفكر الثوري دون إلباسه لبوسا دينيا في البداية ، وهو ما جعلهم يستقطبون
قيادات إسلامية موريتانية ، زار بعضها إيران في الثمانينات وحضر ندوات فكرية هناك
، والتقى مراجع شيعية ، وقد حرصت الأفعى الإيرانية أن تخدع الموريتانيين فتظاهرت
بأن ليس لتلك اللقاءات علاقة بالتشيع ، ومن بين الشخصيات الإسلامية التي زارت
إيران الاستاذ اطليل وهو زعيم ما عرف باليسار الاسلامي الذي كان من أعضائه جميل
ولد منصور الرئيس الحالي لحزب تواصل .
وكانت العلاقات الدبلوماسية مع ايران ممتازة في فترة
الثمانينات قبل أن تقرر موريتانيا قطع العلاقات مع إيران ليس انتصاراً للسنة أو
العرب ولكن انتصارا لحزب البعث العراقي الذي كانت منحه تصل النظم الموريتانية وعلى
المنشآت الموريتانية ، وكان للتيار البعثي الموريتاني دور أساسي في هذه القطيعة .
ورغم محاولة إيران نشر التشيع في المحيط الموريتاني (المغرب
والسنغال) إلا أن المغاربة تنبهوا لفحيح الأفعى الإيرانية اللئيمة فطردوا سفارتهم
من الرباط بعد اتهامها بنشر التشيع ، أما في مريتانيا فإن الرئيس الموريتاني آنذاك
معاوية ولد الطايع استطاع أن يحمي بلاده من التمدد الشيعي ومن أي مطامح إيرانية
بهذا الخصوص .
ولكن عندما وقع انقلاب ضد معاوية ولد الطايع وأطيح به استبشرت
الصحف الإيرانية بانقلاب علي على معاوية وقاموا بإسقاط تاريخي على الاسمين (معاوية
- علي) وهم يقصدون انقلاب علي ولد محمد فال على معاوية ولد الطايع ، مستلهمين قصص
التاريخ وباعثين أيام الزمن الغابرة بين الصحابيين الجليلين .
ولم تعد العلاقات الموريتانية التي تم قطعها تعاطفا مع العراق
في حربه مع إيران الا في عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز عندما اتجه الى محور
ايران - سوريا - ليبيا للضغط على الغرب من اجل الاعتراف بانقلابه على الحكم المدني
الذي يمثله الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله .
وعن هذه العودة يتحدث الدبلوماسي الموريتاني باباه ولد سيدي
عبد الله قائلا : " كان المجلس الأعلى للدولة- الخارج قبل 7 أشهر وبعملية
قيصرية من رحِم انقلاب عسكري ضد رئيس منتخب- يسعى إلى سند خارجي من أي نوع، و إلى
دعم مادي فى أفق انتخابات رئاسية لا تفصله عنها إلا شهور قليلة. وهكذا وجدت إيران
فى موريتانيا ضالتها لتعويض خسارتها الدبلوماسية فى منطقة المغرب العربي.
ولم تكد تمر عشرون يوما على إغلاق السفارة الإيرانية فى
الرباط، حتى كان وزير خارجية طهران آنذاك)منوشهر متكي( يجتمع فى انواكشوط، ولمدة
ساعتين، مع رئيس المجلس الأعلى للدولة.
و فى نفس اليوم، كشف مصدر إيراني أن طهران منحت موريتانيا
مليوني دولار، ثم قال الوزير الإيراني جملته المشهورة، وهو يلوح بيديْه للطاقم
الطبي فى مستشفى الأمراض السرطانية بانواكشوط: "نحن قادمون، والتجهيزات أيضا
قادمة"، فى إشارة إلى مانــسب إليه، خلال اجتماعه بولد عبد العزيز، من
"استعداد إيران للتكفل بكافة المشاريع التي كانت إسرائيل تنفذها أو التي وعدت
بتنفيذها فى موريتانيا، وفى مقدمتها تأهيل وتجهيز مستشفى الأمراض السرطانية". "
إذن كان النظام الحاكم في موريتانيا والذي يقوده محمد
ولد عبد العزيز مضطرا بسبب الظروف المالية الصعبة الناجمة عن الحصار الذي فرض على
موريتانيا بسبب الانقلاب العسكري الأخير، للبحث عن متنفس مالي فكانت الأفعى
الإيرانية بانتظار تلك الفرصة للسيطرة التدريجية على موريتانيا واستعمارها فعرضت
كالعادة المساعدات والاعتراف بأي نظام حكم يمكنها من نشر إيديولوجيتها الشيعية
الإستعمارية .
في يوم الاثنين الخامس والعشرين يناير 2010م وصل الرئيس
الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الى العاصمة الايرانية طهران، في زيارة رسمية
التقي خلالها كبار المسؤولين في البلاد ، ليكون أول رئيس موريتاني
يزور إيران منذ ثورتها المجوسية اللاإسلامية سنة 1979.
ابرم ولد عبد العزيز خلال الزيارة اتفاقيات اقتصادية كان من
نتائجها تزويد طهران نواكشوط بمجموعة باصات قيل انها عبارة عن صفقة تجارية مخفضة
وليست هبة ، وقد أشيع يومها أنها ستلحق بمجموعة سيارات صغيرة ايرانية لاستخدامها
سيارات اجرة داخل العاصمة إلا أنها لم تأت .
توالت الزيارات المتبادلة بعد ذلك بين كبار المسؤولين فى البلدين
حيث شارك الوزير الأول الموريتاني مولاي ولد محمد الأغظف في مؤتمر دولي لمحاربة
الإرهاب احتضنته طهران أواخر شهر يونيو 2011 ، وزار نائب الرئيس الإيراني انواكشوط
فى نفس الأسبوع، حاملا دعوة إلى الرئيس الموريتاني للمشاركة فى قمة عدم الإنحياز
التي انعقدت فى طهران نهاية أغسطس الموالي.
بعد ذلك بأقل من شهر، أجرى الرئيس الإيراني توقفا فنيا فى
انواكشوط، وهو فى طريق العودة من نيويورك إلى بلاده، بعد مشاركته فى الإجتماعات
السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقبل نهاية العام،زار نائب آخر للرئيس الإيراني موريتانيا غداة
اجتماع للقائم بالأعمال فى سفارة بلاده فى انواكشوط مع وزير الدفاع ومدير الأمن
الموريتانييْن، لبحث "سبل تعزيز التعاون العسكري والأمني " بين البلدين.
وكان من نتائج العلاقة الأخيرة بين موريتانيا وإيران تسليم
طهران لأبي حفص الموريتاني لنواكشوط بدلا من أمريكا أو احد حلفائها وهو ما يعني أن
طهران مهتمة جدا بعلاقاتها مع نواكشوط
خطان متوازيان نشطت فيهما الدبلوماسية الإيرانية إذن خلال
فترتها الأخيرة في موريتانيا على عكس الفترة الأولى ، هما الخط السياسي والخط
المذهبي ، فخلال تواجد السفارة الإيرانية في فترة الرئيس عزيز أعلن
موريتانيون مرتشون تشيعهم وبدؤوا في ربط صلات مباشرة ومعلنة مع الحوزات والمراجع
الإيرانية .
ومن روافد المد الشيعي في موريتانيا الحوزة الشيعية في السنغال
المجاورة التي بدأ ظهور الشيعة فيها عام 1969م بمجيء الشيخ الشيعي عبد المنعم
الزين اللبناني للسنغال، بعد سنة واحدة من زيارة قام بها لهذا البلد، المرجع
الشيعي المختفي موسى الصدر.
وقبل ما يزيد على عقد من الزمن أعلن مواطن موريتاني يدعى بكار
ولد بكار عن اعتناقه للمذهب الشيعي ، وقام هذا الرجل المرتشي بنشاط كبير في مجال
نشر المذهب الشيعي وكتبه ومناهجه ، كما أعلن في مقابلات صحفية له أن بموريتانيا ما
يزيد على أربعين ألف شيعي وهو الرقم الذي وصف بأنه تهويلي .
وأخذ الحديث يتزايد الأوساط العلمية الموريتانية عن محاولته
إقامة حسينية في منطقة عرفات بالعاصمة نواكشوط.
وفي السنوات الأخيرة، كثرت زيارة العديد من أئمة موريتانيا إلي
إيران، كما أبدت طهران اهتماما كبيرا بعلاقاتها مع نواكشوط ،
وفي فبراير 2015م قام رجل الدين الشيعي اللبناني محمد قانصو
بزيارة لموريتانيا، صاحبها الكثير من اللغط في الأوساط الدينية والإعلامية، بعدما
دشن مدرسة قرآنية صغيرة باسم الزعيم الروحي لشيعة غرب أفريقيا عبد المنعم الزين.
وفي الإطار نفسه نقل الدبلوماسي الموريتاني باباه سيدي عبد
الله عن دبلوماسي غربي، فى نيويوك قوله : " إن إيران حاولت عبر أطراف
مقربة من النظام الموريتاني، الاستحواذ على إحدى القنوات التلفزيونية ومحطة إذاعية
في موريتانيا " وهي المعلومات التي أكدها ولد سيدي عبد الله .
ولكن مخلصين موريتانيين لوطنهم ولدينهم بدأوا يشعرون بأن
الأفعى الإيرانية المجوسية بدأت تطبق عليهم في الوقت الذي بدأت السعودية بالتنبه
إلى الخطر الإيراني فتحركت لدعم الدول
العربية والسنية المعرضة للدغات الأفعى الإيرانية ، وهنا يرى مراقبون أن العلاقات
الموريتانية الإيرانية تراجعت في السنوات الثلاث الأخيرة بسبب التقارب
الملحوظ لنواكشوط مع الرياض، وهو تقارب
ترجمته السعودية بدفع ( 4مليارات أوقية لموريتانيا ) وعلى غرارها دفعت
الإمارات( 800 مليون أوقية من صندوق أبو ظبي للتنمية ) وهو ما قد يكون رد فعل من
الدولتين على التحرك الإيراني السابق .
في المقابل انخرطت موريتانيا في حلف عاصفة الحزم خلال السنة
المنصرمة ، وطالب ثلاثة وعشرون من نوابها بقطع العلاقات مع إيران في يونيو
2015م ، وجرى الحديث حينها عن عزم النظام قطع العلاقات مع إيران تنفيذا لالتزاماته
للسعودية .
وبعد إعلان المملكة العربية السعودية قطع العلاقات مع إيران قد
تكون العلاقة بين البلدين دخلت مرحلة جديدة خاصة بعد بيان الخارجية الموريتانية
الذي نددت فيه بالاعتداء على الدبلوماسيين السعوديين بطهران ، وهو ما يمثل انحيازا
للسعودية على حساب إيران ، ولا يستبعد أن يتطور إلى أبعد من ذلك مع تطور الأحداث
وتنبه الموريتانيين لخطر الأفعى الإيرانية التي خدعت ضحاياها بملمسها الناعم لتقضي عليهم بعد أن يطمئنوا إليها ، فانتبهوا
أيها الأخوة الموريتانيين فإن الافاعي وإن لانت ملامسها فإن في تقلبها الخطب
والعطب ودونكم العراق وسوريا ولبنان واليمن فاتعظوا يارعاكم الله .
عبد المجيد إبراهيم