العلويون وأغبياء السنة (3)
ملاحظة : سترد عبارة
الغباء السني وماشابهها في هذه الحلقات . فيرجى ملاحظة أن هذا التعبير لا يعني أن
السنة أغبياء ،ولكنه يعني أن ذلك الغباء يشمل العلمانيين والملحدين و الليبراليين والمعادين وغير
المكترثين بمذهبهم السني، إضافة إلى الزعماء والسياسيين ،وكل من شعر ويشعر في
الماضي أو الحاضر بأن أهل السنة مستهدفون ولايعمل بعقل لرفع هذا الاستهداف للمذهب
السني وهو الممثل الوحيد للدين الإسلامي .
هل السنة طائفيون
وغيرهم متسامحون؟
موضوع مهم كتبه مجموعة من
المفكرين لوجه الله تعالى فاحرصوا على تعميمه على مواقع التواصل فلكم الأجر
والثواب بإذن الله
تحدثنا في الحلقة الماضية عن ظهور حملة
لواء الإسلام بعقل وحكمة في تركيا بقيادة نجم الدين أربكان حتى التف حولهم الشعب
بسبب النجاحات التي حققوها على جميع المستويات ،لكن هذا النجاح على المستوى الشعبي
والإقتصادي أثار حفيظة العلمانيين الأتاتوركيين الفاشلين ، ومع زيادة شعبية
الاتجاه الإسلامي بدأت المخاوف تتحول إلى هواجس بأفول وشيك لحكمهم ، لذلك رأت
قيادات الجيش أن توقف هذا النشاط الإسلامي المتنامي بانقلاب عسكري يلغي ولو مؤقتًا
شعار الحرية الذي ظهرت هذه الأحزاب من خلاله.. ولكي يخلق قادة الجيش ذريعة تسمح لهم
بالتدخل الحاسم، قام الجيش التركي بتصعيد
الصراعات وتأجيجها؛ثم استغل ذلك الصراع وماواكبه من تدهور الوضع الأمني وانتشار ظاهرة العنف السياسي كمبرر للإنقلاب بعد أن يتم تصوير
حكم الإسلاميين بالفاشل والعاجز عن إدارة البلاد ،وفعلاً ساءت الأوضاع في تركيا
ليس بسبب الحكم الإسلامي ولكن بسبب مكائد جنرالات الجيش الأتاتوركيين ومن معهم من
علمانيين ،فبلغت أرقام هذه الأحداث في السنتين الأخيرتين قبل انقلاب عام 1980
ذروتها، إلى اكثر من 4040 قتيل بين 1978 - 1980. وتناحرت القوى والحركات السياسية
المتخاصمة والمتناقضة في ما بينها، رغبة منها في إسقاط حكم الإسلاميين ومحاولة كل
فريق على حدة السيطرة على الدولة والمجتمع وتسييرها وفق مبادئها واهدافها، وزداد
العنف تعدد مشحوناً بتعدد القوميات والأقليات والأديان. وكان للنقابات العمالية
دور في نشر الدعايات السياسية والاقتصادية في المصانع واقامة المظاهرات والمسيرات
الاحتجاجية التي كانت تحمل طابع التحدي والعصيان مما اوقف المصانع عن العمل ، وإلى
انخفاض الانتاج وشحة البضائع في الاسواق وارتفاع الاسعار. وظهرت الحركات الطلابية
التي تنوعت جمعياتهم وازدادت نشاطاتهم السياسية ، فتحولت الجامعات إلى مسرح للفوضى
وللجدل والتصادم بالسلاح بين الطلبة.
وظهرت الجمعيات السرية والارهابية ذات
التوجه اليميني واليساري، حيث بلغ عددها مطلع السبعينات نحو اربعين جمعية، مدعومة
فكريا وماديا من الخارج، وقامت بنشر الرعب والخطف والقتل وسلب البنوك وقطع الطرق،
والهجوم على مؤسسات الدولة ، ومقرات الاحزاب والجمعيات والصحف ، والمقاهي والفنادق
والمطاعم السياحية .
ومن الصراعات المذهبية التي حدثت، أحداث 1978
عندما تقاتل السنة الذين يشكلون 80% من الأتراك وبين الشيعة في قهرمان مرعش في جنوب شرق تركيا ، وكان لحزب الحركة القومية دور كبير في تصعيد
أحداث العنف السياسي في هذه المدينة ، فكانت حصيلة
العنف مقتل 111 شخصاً وجرح أكثر من ألف شخص، مما دعا الحكومة إلى إعلان الأحكام العرفية في ثلاث عشرة ولاية وإقالة وزير الداخلية عرفان اوزاي دنبلي من
منصبه. فازداد عدد القتلى سنة 1979 في جل البلاد ليصل معدله 20 قتيلاً في اليوم .
وازدادت ظاهرة الاغتيالات السياسية لتشمل مسؤولين سياسيين كبار، فقد اغتيل رئيس الوزراء السابق نهاد ايريم، على ايدي منظمة ديف سول اليسارية
المتطرفة، انتقاماً منه لإقدامه على حل التنظيمات النقابية والطلابية ، واعلان
الاحكام العرفية لمواجهة التمرد الكردي شرقي البلاد.
وكان العسكر يطمحون في أن ينجح أي حزب غير سني في
الانتخابات كحزب الشعب الجمهوري ،ولكن هذا الحزب
فشل، فقام الجيش التركي بتصعيد التوتر وتأجيحه بين المتخاصمين وخلق جو ملائم
لظهور العنف السياسي بين اليساريين واليمينيين،
الذين خاضوا حربا بالوكالة بين الولايات المتحدةوالاتحاد السوفياتي.
وحينما رأى الضباط الاتراك أن طبختهم قد
استوت وأن الوقت قد حان للتدخل ،قاموا في الساعة الواحدة بعد ظهر يوم 12 سبتمبر
1980م بالإنقلاب ،واذيع البيان العسكري الأول في الاذاعة والتلفزيون
وقرأه المجرم كنعان ايفرين وبين فيه اسباب الانقلاب وطبيعته واهدافه، معتبرا أن
الأزمة التي عاشتها البلاد تهدد بقاء الدولة والشعب، ودعا إلى التمسك بمبادئ
أتاتورك وان يشنوا نضالاً ضد ما سماه بالفوضى والإرهاب وضد الشيوعيين والفاشيين والعقائد الدينية «المتزمتة» ويقصدون بالمتزمته
أي توجه سني بناء ينجح بالطرق الديموقراطية.
كان الهدف الخفي وراء ذلك الإنقلاب يستند
إلى الفكر الكمالي المنحرف والذي أراد أن يفصل تركيا
عن محيطها العربي والإسلامي متحججين بأعذار واهية كان من أهمها أن سبب تدهور
الامبراطورية العثمانية واندحارها عسكرياً هو ارتباطها بالأقطار العربية
والإسلامية، بينما كان خوفهم الحقيقي نابع من الصعود الملحوظ للتيار الإسلامي
السني في الانتخابات التركية.
وبعد البيان الأول خرج البيان الثاني للانقلابيين الذي تضمن حل
حكومة سليمان ديميريل والمجلس الوطني التركي
الكبير ، ورفع الحصانة البرلمانية عن اعضائه. وجاء البيان
الثالث متضمناً اعتقال زعماء الاحزاب السياسية ، بولنت أجاويد ، وسليمان ديميريل ، ونجم الدين أربكان ، وألب أرسلان توركيش ،
اضافة إلى عدد من البرلمانيين والزعماء النقابيين.
وتم تشكيل «مجلس الأمن القومي» (NSC) من قبل كنعان
ايفرين وقادة الانقلاب العسكري الأربعة. وهو الهيئة التي حكمت تركيا لحين اجراء
الانتخابات العامة في تشرين الثاني 1983 ، إذ تولى قادة المناطق العسكرية مهام
الحكام المدنيين فـي 67 مقاطعة تركية.
والملفت للنظر أن ذلك العنف والصراع بين الخصوم
السياسيين توقف فجأة بعد الانقلاب مباشرة، وهو الأمر الذي أكد للأتراك أن
الجيش كان يقف وراء الفتنة السياسية والاجتماعية ، ولكن الناس في ذات الوقت كانوا ينشدون
الأمان فرحبوا بالانقلاب بعد توقف العنف حفاظاً على حياتهم بغض الطرف عن دور الجيش
في تلك الفوضى .
وكان من نتائج الإنقلاب تعيين كنعان أوفرين، الذي كان في تلك الفترة رئيسا
لهيئة أركان القوات المسلحة التركية، رئيسا للجمهورية ولم يغادر مهامه على رأس
الدولة التركية إلا سنة 1989. بعد ذلك قام المجرم
كنعان بعرض دستور جديد على استفتاء قام فيه بتحصين نفسه وجنرالات الانقلاب من
المحاكمة في المادة 15، وعزز الدستور من دور الجيش في الحياة المدنية بذريعة حمايةالجمهورية والعلمانية في المادتين 35و 85 من الدستور التركي.
وفي عهد ذلك المجرم الجنرال كنعان إفرن
تم اعتقال 650.000 شخص، ومحاكمة 230.000
شخص، و517 حكما بالإعدام، و299 حالة وفاة بسبب التعذيب. كما انتحر 43 شخصًا وقُتلَ 16أثناء هروبهم، واعتبر
الآلاف في عداد المفقودين، ناهيك عن إقالة 3654 مدرسا و 47 قاضيًا و120 أستاذًا
جامعيا، وأدرجت الأجهزة الأمنية التابعة للانقلاب إسم مليون ونصف مواطنٍ تركي
وقيدتهم في سجلات الأمن كمطلوبين أمنيًا وكخطر على الأمن القومي التركي، وفر 30
ألف شخص من المعارضين والمفكرين وطلبوا حق اللجوء السياسي خارج تركيا. وقد قال المجرم
كنعان أوفرين في كلمة سنة 1984 مستهزءاً بضحايا عهده: «"هل كان علينا أن
نطعمهم في السجن لسنوات بدلا من أن نشنقهم؟"». في اشارة لمن أعدموا بعد
الانقلاب.
ومع ذلك لم يتعرض قادة الانقلاب في تركيا
إلى المحاسبة على ما اقترفوه، حيث كانوا بمنأى عن المتابعة القضائية، بفضل البند
15 الذي أقحم في دستور 1982 والذي أعطاهم حصانة متينة. فعاش الانقلابيون حياة آمنة
مطمئنة طيلة ثلاثين سنة.
ولكن بعد مرور 30 عامًا على
الانقلاب تمكن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رجب طيب أردوغان من تعديل عشرات المواد من
ذلك الدستور، بما فيها حصانة العسكر، الأمر الذي يسمح للمحاكم بمتابعة الانقلابيين
واصدار الأحكام بحق المذنبين منهم.وفي الذكرى الثلاثين لانقلاب 1980، صوت الأتراك
في استفتاء على إصلاحات الدستور الذي كتب خلال الحُكم العسكري للبلاد. وأهم تلك
الاصلاحات إلغاء المادة رقم 15 المؤقتة في الدستور ، والتي كانت تمنع مُلاحقة قادة
الإنقِلاب أمام المحاكم.وتمنح تلك الإصلاحات الموظّفين والعمال المزيد من الحريات
النقابية وحقّ التنظم والإضراب، كما تمنح المراة والطفل والمُـعوَّقين، حقوقا
واسعة. وفي يوم الاثنين 13 سبتمبر 2010 احتفل حزب العدالة والتنمية السني بفوزه في
الاستفتاء.
وطالب عدد من المواطنين المتضررين بسبب
انقلاب 1980 بمحاكمة زعماء انقلاب، إلا أن المتابعة القضائية تسقط بالتقادم في
تركيا بعد 30 سنة. رغم تنظيم الاستفتاء على التعديل الدستوري سنة 2010،وبذلك لم
يعد قادة الانقلاب من الناحية التقنية عرضة للمساءلة القضائية فيما يتعلق بجريمة
قلب الحكومة. وكانت الرغبة عند أغلب الحقوقيين والمتضررين أن يُعترف على الأقل بأن
الانقلاب العسكري كان جريمة ،حتى وإن لم يتم
ادخال جنرال مسن مثل المجرم كنعان إيفرين إلى السجن. وفي سنة 2010 هدد
كنعان إفرين بالانتحار إذا ما سيق إلى المحكمة.
وخلال ترأس رجب طيب أردوغان للجمهورية التركية، بدأت في 4 أبريل2012 أول محاكمة في تاريخ تركيا تستهدف منفذي انقلاب عسكري،ولم يعد على قيد الحياة من قادة
انقلاب 1980 إلا القائد السابق لسلاح الجو تحسين شاهين وكنعان
أفرين قائد المجموعة العسكرية والرئيس السابق للجمهورية، فيما توفي الجنرال نجاة تومر قائد القوات البحرية التركية
الأسبق في 30 مايو 2011، قبل ساعات من مثوله أمام المدعى العام للتحقيق. وتم
إعفاء الجنرالين السابقين بسبب وضعهما الصحي من المشاركة في العديد من جلسات
المحاكمة، فتحدثوا أمام محكمة الجنايات في أنقرة عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة.
وفي 25 أكتوبر 2013 طالب المدعي العام التركي بالسجن المؤبد لقائد الانقلاب في تركيا الجنرال المجرم كنعان
إيفرن. وفي 18 يونيو 2014 صدر الحكم بالسجن المؤبد على كل من الرئيس التركي الأسبق
كنعان إيفرين وقائد القوات الجوية الأسبق تحسين شاهين كايا، لدورهما في انقلاب
عسكري العام 1980، واتهم إيفرين (96 عاما) وكايا (89 عاماً) بتمهيد الطريق أمام
تدخل عسكري في تركيا.
أما بالنسبة للأقلية العلوية فكانت
موضع احترام لحقوقها من قبل حزب العدالة
السني،إذ شهد العقد الماضي مزيداً من السماح في التعبير عن هوية الأقلية العلوية
في تركيا،فما أن وصل حزب العدالة والتنمية المتسامح والذي يغلب عليه أهل السنة إلى
سدة الحكم عام 2002م،حتى بدأ يسعى إلى تبني سياسة جدية، قوامها حلُّ المشكلات ذات
التكوين القومي كالمسألة الكردية، والتكوين الديني كالمسألة العلوية، وهي مشكلات
تتعلق بالهوية، ورثتها حكومة العدالة والتنمية من الدولة التركية المعاصرة، التي
نشأت في عام 1923م، جراء تفكك الخلافة العثمانية، حتى تنتفي أية شبهة بالظلم ضد العلويين،
وحتى يحافظ الحزب السني على اللحمة الوطنية ومعالجة أحد مصادر القلق والتمزق
الاجتماعي في تركيا.
فهل كان لتلك السياسة السنية المتسامحة أثر على
نظرة العلويين لحزب العدالة السني الحاكم مقارنة بوضعهم أيام حكم العسكر؟
يتبع
المنظمة العالمية للدفاع عن
أهل السنة