هل تغير بوتين
ولماذا؟ 1
لايمكننا أن نصل إلى تفسير دقيق لأسباب
مبادرات بوتين الأخيرة وتحوله من طاغية لايرحم إلى مبادر للسلم والإستقرار في
سوريا حسب مزاعمه ،وهو ماتدل عليه
التحركات الروسية الأخيرة التي شاهدنا أحد مظاهرها باستدعاء المجرم بشار
الأسد واجتماعه بسيده بوتين ثم تصريحات وزير خارجيته الحاقد على الإسلام والمقرب
من إيران والتي بدأ يتحدث فيها عن مرحلة جديدة في التعامل مع الملف السوري لإرساء
دعائم الأمن والإستقرار السياسي .
وبالرغم من أننا لانزعم أننا نعرف على
وجه اليقين السبب وراء ذلك ولكن ربما كانت معاناة الإقتصاد الروسي في المرحلة
الحالية هي أحد الأسباب في هذا التغيير،فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعلم أن
روسيا بمأزق كبير، ولكنه لا يدري ماذا يفعل حيال ذلك، ولعلنا نذكر أنه في مؤتمره
الصحفي الذي استمر لمدة ثلاث ساعات في خطابه للأمة الروسية بمناسبة العام الجديد
في عام (2016)، بدا الرئيس الروسي على غير المعهود منه غير واثق بنفسه، ولم يبد
عليه التفاؤل كعادته، فقد رأيناه يبذل قصارى جهده لطمأنة الشعب الروسي بقوله:
"الاقتصاد الروسي سيتغلب عموماً على الأزمة، فالديون انخفضت وعدد السكان
بارتفاع مستمر، مضيفاً : " إن الأرقام جيدة وهي تعطي انطباعاً عن
التفكير الإيجابي للشعب الروسي".
ولكن إن
كان بوتين يسعى لتهدئة المواطنين الروس القلقين، فلا يبدو أنه نجح كثيراً، فروسيا
تترنح على حافة الهاوية، وجدول أعمالها العالمي المتمسكة به بشدة قد أدخل البلاد
بحالة ركود منذ عامين، كما أثر على دخل المواطنين، وارتفعت الاضطرابات العمالية،
ومع ذلك لا يوجد أي استراتيجية سوى الانتظار لتعافي أسعار النفط العالمية
وارتفاعها مرة أخرة.
وفي الوقت
الذي يواجه بوتين فيه الأزمة الاقتصادية في البلاد، وشعبه المضطرب، ونخبة سياسية
تولي اهتماماً أكبر لمصالحها أكثر من مصالح الدولة، ربما حان الوقت لتلقي بعض
الدروس غير المتوقعة من مجرم وقاتل روسي سبقه
ولكن الأيام أجبرته إلى أن يصبح إصلاحيأ ، ونقصد به رجل الإستخبارات السابق"
يوري أندروبوف".
ومن دلائل
تأثر بوتين به أن بوتين دائمأ ما يعبر عن إعجابه بأندروبوف، الرجل الذي ترأس
"KGB " عندما انضم بوتين لأول مرة إلى التنظيم والذي شغل منصب
أمين عام الاتحاد السوفيتي لأكثر من عام واحد من تشرين الثاني 1982 إلى شباط
1984.
وكانت أول
أعمال بوتين حين أصبح رئيس الوزراء في عام 1999، هو إعادة لوحة لأندروبوف إلى
المبنى السابق لمقر KGB (والتي أصبحت الآن FSB)، وفي عام 2004 بمناسبة الذكرى الـ
90 لميلاد أندروبوف، شيد بأمر بوتين تمثالاً له يبلغ ارتفاعه 10 أقدام في مدينة
بتروزافودسك، حيث قاد أندروبوف المقاومة السرية ضد النازيين.
وللعلم
فإن أندروبوف هذا هو شخصية معقدة من الصعب أن تحب، ولكن من المستحيل
تجاهلها، وقد كان شريراً بالتزامه مع الحزب الشيوعي، كقائد الـ KGB، أمر بوضع المنشقين في مستشفيات
الأمراض العقلية ، وطارد الصحفيين ومنعهم من حرية التعبير، وعندما كان
سفيراً للاتحاد السوفياتي في المجر عام 1956، كان له دور فعال في سحق الثورة
المجرية.
وفي الوقت
نفسه، كان أندروبوف مسؤولاً أيضاً عن نظام الاقتصاد الليبرالي نسبياً والذي سمح
لبودابست في وقت لاحق باعتماده عام 1962، مما يعني أن الهنغاريين تمتعوا بنوعية
حياة أفضل من أي مكان في الكتلة السوفيتية، وكان أندروبوف قد عين رئيسا للـ KGB على وجه التحديد ولكن حدث تغيير في
اتجاهاته (كما يحدث لبوتين اليوم ) فقام أندروبوف بتغيير سياسة هذا الجهاز المرعب ليغير
طريقة عمله التي كانت تعمل فيه أثناء حكم ستالين ولتحديثها بعيداً عن البلطجة
والسادية، وفعلاً قام بتجنيد شباب من افضل وألمع الجامعات السوفياتية، ورغم أن KGB كان لا يزال جهاز قمع إلا أن
أندروبوف كان محورياً في هندسة جيل جديد من الإصلاحيين، بما في ذلك ميخائيل
غورباتشوف.
لكن
بوتين، على الرغم من تقديره لصفات شخصية أندروبوف، كذكائه، وتصميمه وعزمه في
الأمور، إلا أنه تجاهل صفات أخرى ساعدت أندروبوف على السيطرة على غضبه، بل الأسوء
من ذلك أن بوتين اعتمد أسوأ تكتيكات أندروبوف: بأن يكون رجل مخابرات، ويقمع
البعض لردع الكثيرين _ ولكن ماكان يحتاجه بوتين ،ولم يأخذ به هو أن يتعلم بعض
الدروس من أندروبوف في القيادة وهي:
1-
معالجة الفساد في الأعلى (وهذا يعني أنت فلاديمير)
يتحدث بوتين دائماً عن أن الفساد يضعف المجتمع ونظام الدولة، ولكنه لا يفعل شيء ضد
الشخصيات البارزة في روسيا المنخرطة في هذا النوع من الاختلاس والتي تستنزف البلاد
تماماً، جزء من المشكلة بالطبع أن بوتين نفسه قد شارك عن كثب في هذه الاعمال
الفاسدة منذ دخل معترك السياسة في بداية التسعينيات، فقد زعم منتقد الكرملين بيل
برودر أن (بوتين يملك شخصياً 200 مليار دولار).
وعلى النقيض من ذلك، كان أندروبوف لا يهتم
للامتيازات المتاحة لزعماء الحزب، وكان كثيراً ما يرفض الهدايا لأنها تأتي خدمة
لمصالح ذاتية، وفي وثائقي عنه قيل أنه يستخدم جناحاً واحداً، ومعطفاً واحداً
ويركب أبناءه وأحفاده مترو الانفاق كمواصلات.
وحتى قبل مجيئه إلى السلطة، قام أندروبوف باستخدام منصبه كقائد KGB لإطلاق حملة ضد الفساد، وعندما أصبح
الأمين العام (السكرتير الأول) للحزب الشيوعي، طرد 15 وزير من الحكومة بينهم وزير
الداخلية، وذلك من خلال معالجة المسؤولين الفاسدين في الجزء العلوي من النظام، ولم
يكن فقط يريد حل مشكلة حقيقية في الدولة، بل أراد أيضاً أن يظهر للمواطنين
العاديين الروس أن ما قام به لم يكن مجرد علاقات عامة.
وبحلول أواخر السبعينيات كان الاقتصاد
السوفياتي في تدهور خطير، بسبب تراجع أسعار النفط العالمية (أيبدو هذا مألوفا؟)
بعد ذلك، كما هو الحال اليوم، اضطر الروس جميعاً لتحمل سياسة التقشف، أما في عهد
بوتين فالنخبة لم تتأثر كثيراً، فيما تضرر الشعب الروسي الذي اضطر لتحمل عقبات
العقوبات الأوروبية وزيادة الضرائب، وغرقت البلاد في تضخم أدى لاندلاع الاحتجاجات
- وهو ما كان أندروبوف يسعى جاهداً لتجنبه مسبقاً.
يتبع
منقول
المنظمة
العالمية للدفاع عن أهل السنة